لا يكتسب هذا الكتاب أهميته من حوار، وشهادات، وقراءات، وتفاصيل كثيرة في حياة وشعر وكتابة محمد الحادثي فحسب؛ ولكن أيضاً لأنه شهادة مهمة على عصر عاشته عُمان بكل ما فيه من تغيرات سياسية واجتماعية وثقافية. في حواره يأخذنا شاعرٌ سفّار إلى طفولته، سارداً حكاية أمه التي فقدها بسبب حريق فاجع «كان سببًا جوهريًا في ضياع طفولته». وحاكياً عن أبيه الذي كان مجلسه عامراً بشيوخ العلم والأدب. وعن البِدع الفتّانة التي أسرته في مراهقته المبكرة أو طفولته المتأخرة ومنها جهاز الراديو الذي دفع شيخاً متزمتاً لإطلاق النار على القمر! يعود بذاكرته وهو طفل إلى إسقاط طائرة لمنشورات في حوش بيته البسيط في 1974 تُعلن عن مكافآت مالية بمن يقبض على «الإرهابيين الشيوعيين الفارّين». يسرد حكاية مشاكساته للسلطة الدينية، بدءا من تكفيره بسبب قراءة في قصيدة شعرية، ومروراً بإعادته الحياة لشاعر حاول المتدينون اختطافه لأغراضهم الإيديولوجية، وليس انتهاء برمي هؤلاء الأحذية في وجه شاعر مارس حقّه في المطالبة بإسقاط مُفتٍ. ورغم أنه التقط الرمزية الكامنة في هدية من «السلطة السياسية ليستمرئ مناكفة السلطة الدينية» إلا أنه لم يوفر حتى هذه السلطة السياسية من مشاكساته، أو لنقل من اختلافه.